الامام " الشافعى " رحمه الله النسب والقبيلة: هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. فيلتقي الشافعي مع الرسول صلى الله عليه وسلم في جدّه عبد مناف، فالشافعي رضي الله عنه قرشي أصيل. لقي جدُّه شافعُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع، وكان أبو شافع السائب صاحب راية بني هاشم يوم بدر فأُسر وفدى نفسه ثم أسلم فقيل له: لِمَ لَمْ تسلم قبل أن تفدي نفسك؟ قال: ما كنت لأحرم المؤمنين طمعًا لهم في. أمّا أمّه فإن أكثر من أرّخ للشافعي أو ترجم له قد اتفقوا على أن أمّه أزدية، أو أسدية فهي من قبيلة عربية أصيلة. الميلاد: ولد في شهر رجب سنة 150 هـ، أغسطس 767 م، وهي السنة التي توفي فيها الإمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله، فكأنهما كما قال الشاعر: نجوم سماء كلما غار كوكبٌ بدا كوكبٌ تأوي إليه كواكبه وكان الشافعي رحمه الله رجلاً طويلاً حسن الخلق محببًا إلى الناس نظيف الثياب فصيح اللسان، شديد المهابة كثير الاحسان إلى الخلق وكان يستعمل الخضاب بالحمرة عملاً بالسنة وكان جميل الصوت في القراءة... البلد التي ولد فيها: روى الحاكم بطريقه عن محمد بن عبد الله بن الحكم يقول: سمعتُ الشافعيَ يقول: ولدتُ بغزة وحملتني أمي إلى عسقلان. البلد التي عاش فيها: لما مات أبوه انتقلت به أمّه إلى مكة، وذلك لأنهم كانوا فقراء، ولئلا يضيع نَسَبُه، ولأنّ له سهم من ذوي القربى، ثم تنقّل - رحمه الله - بين البلاد في طلب العلم. طفولته وتربيته: لم يعِ الشافعي بيئته إلا بالوطن القديم لأجداده - مكة - مهوى أفئدة المسلمين في أنحاء الأرض، ومهبط الوحي ومنبت الإسلام. وأعظم ما في مكة المسجد الحرام والذي يكاد يكون عند كل سارية فيه محدّث أو فقيه أو باحث أو مناظر ومِن حولهم المتعلمون والمستمعون والسائلون. وفي وسطه الكعبة المشرفة التي لا يفتر الطواف حولها في ليل أو نهار أبد الدهر. على هذا كله فتح الشافعي بصره وبصيرته، وبدأ يتفاعل مع هذه البيئة ليأخذ مكانه الطبيعي بين العلماء وأشراف الناس وحقّ ذلك له وهو القرشي الأصيل الشريف النسب. قال الصفدي: أقبل - أي الشافعي - على الأدب والعربية والشعر فبرع في ذلك، وحُبب إليه الرمي حتى فاق الأقران وصار يصيب من العشرة تسعة، ثم كتب العلم... قال الشافعي رحمه الله: كنت يتيماً في حجر أمي ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم، فرضي المعلم مني أن أقوم على الصبيان فأخفف عنه في غيابه، وحفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت موطأ مالك وأنا ابن عشر. ثم قال: أقمت في بطون العرب عشرين سنة آخذ من أشعارها ولغاتها. بعد ذلك استدعي الشافعي إلى بغداد سنة 184هـ، 800 م، وكان ذلك بناء على وشاية وصلت إلى هارون الرشيد عنه وعن جماعة من العلويين، فكان متهماً بالتآمر على الدولة العباسية، ضربت بين يديه تسع رقاب كان آخرهم شاباً من أهل المدينة قال للرشيد: لا أعود إلى ما كنت عليه. ثم توسل إليه أن يتركه حتى يراسل أمه في المدينة ولكنه لم يسعفه فقتله، ولما جاء دور الشافعي قال له: يا أمير المؤمنين أنا لست بطالبي ولا علوي وإنما أدخلت وسط هؤلاء القوم بغيا وظلماً وعدواناً، وإنما أنا رجل من بني عبد المطلب بن عبد مناف وعلى حظ من العلم والفقه والقاضي يعرف ذلك. وكان القاضي محمد بن الحسن الشيباني قاعداً بين يدي الرشيد، فقال له: يا أمير المؤمنين نعم أنا أعرف ذلك وله من العلم محل كبير، وليس الذي رفع إليك من شأنه. فقال الرشيد: خذه حتى أبحث في أمره. فأخذه القاضي وكان هذا سبب خلاصه كما قال: لأمر أراده الله عز وجل. وكانت هذه الحادثة سبباً لبقاء الشافعي في بغداد لسنتين أو أكثر، وتتلمذ خلالها على محمد بن الحسن الشيباني، أما أبو يوسف فلم يلقه ولم يأخذ عنه، فقد مات أبو يوسف قبل أن يقدم الشافعي بغداد، فالرواية أنه قابله وناظره رواية مكذوبة موضوعة. رجع الشافعي إلى الحجاز وصار بعد وفاة مالك أشهر المفتين فيه نحواً من تسع سنوات، ثم قدم بعد ذلك إلى بغداد والتقى بأحمد بن حنبل هناك، وكان قد التقى به والله أعلم قبل ذلك بمكة، وبعد سنتين رحل إلى مصر حيث كان يحبه واليها ومكث بها حتى توفي سنة 204هـ عن 54 سنة. تخلل هذا العمر القصير رحلات عديدة إلى اليمن وقبائل العرب كلها، وكان حريصاً على جمع علوم الفقه والطب واللغة والفراسة... ملامح شخصيته وأخلاقه: سعة علمه وفقهه: لا يختلف اثنان أن الشافعي - رحمه الله - قد تميّز في هذا المجال وبلغ فيه مبلغًا عظيمًا، فقد رزقه الله قوة الذاكرة وهيأ له أسباب العلم فنشأ منذ صغره طالبًا للعلم بشتى فنونه فقهًا ولغةً وأدبًا وطبًا... وقد شهد له بذلك الكثير من علماء عصره ومن جاء بعدهم ممن تربى على علمه ونهل من كنوزه. ولقد عُرف الشافعي بالنجابة والذكاء والعقل منذ أن كان صغيرًا، وشهد له بذلك الشيوخ من أهل مكة، قال الحميدي: "كان ابن عيينة، ومسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، وعبد المجيد بن عبد العزيز، وشيوخ أهل مكة يصفون الشافعي ويعرفونه من صغره، مقدمًا عندهم بالذكاء والعقل والصيانة، لم يُعرف له صبوة. يقول الربيع بن سليمان تلميذ الشافعي وخادمه وراوي كتبه: لو وُزِن عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض لرجحهم، ولو كان من بني إسرائيل لاحتاجوا إليه. تقواه وورعه وعبادته: كما كان الشافعي رحمه الله إمامًا في الاجتهاد والفقه كان كذلك إمامًا في افيمان والتقوى والورع والعبادة، فعن الربيع قال: كان الشافعي قد جزّا الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتبظن والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام، وكان رحمه الله لا يقرأ قرآنًا بالليل إلا في صلاة يقول المزني: ما رأيت الشافعي قرأ قرآنًا قط بالليل إلا وهو في الصلاة. ووُصِفَ الشافعي - رحمه الله - أيضًا بالحكمة كما وُصِفَ بالكرم والسخاء وغير ذلك من جميل الأخلاق وحسن السجايا... شيوخه: شيوخه بالمدينة: وتلقى العلم بالسنة في المدينة على الامام مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد الانصاري وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وإبراهيم بن أبي يحيى الاسامي، ومحمد بن سعيد بن أبي فديك، وعبد الله بن نافع الصائغ. شيوخ باليمن: وسمع الحديث والفقه في اليمن، من مطرف بن مازن، وهشام بن يوسف قاضي " صنعاء " وعمرو بن أبي سلمة صاحب الاوزاعي، ويحيى بن حسان صاحب الليث بن سد شيوخه بالعراق: وسمع الحديث والفقه وعلوم القرآن في العراق من وكيع بن الجراح، وأبو أسامة حماد بن أسامة الكوفيان، وإسماعيل بن علية، وعبد الوهاب بن عبد المجيد البصريان. فيكون عدد شيوخه على هذا تسعة عشرة، خمسة من مكة، وستة من المدينة وأربعة من اليمن، وأربعة من العراق. هذا ما أفاده الرازي في مناقب الامام الشافعي. تلامذته: نبغ على الشافعي كثير من الناس، في مقدمتهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل، والحسن ابن محمد الصباح الزعفراني، والحسين الكرابيسي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وأبو إبراهيم إسماعيل ابن يحيى المزني، وأبو محمد الربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، وأبو حفص حرملة بن يحيى بن عبد الله التجيبى، وأبو يوسف يونس بن عبد الاعلى، ومحمد بن عبد الله ابن عبد الحكم المصري، وعبد الله بن الزبير الحميدي